Rabu, 02 Oktober 2013

حكم دخول "أل " علي   "غير"
ا.د/ مراد حيدر
اختلف اللغويون في دخول " أل " على غير فمنهم من أجازه ومنهم من رفضه . وهذا بحثُ مقتضب نهتم فيه بإيراد أدلة إيجاز دخول " أل " على غير بإيراد مجموع آراء العلماء المجيزين أو ما وفقنا إليه .
 
قال محمود محمد الطناحي في مقالة : " التصحيح اللغوي وضرورة التحري " والمنشورة في كتاب : " مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي " جـ1 . صـــ 202 :
منع بعضهم دخول " أل " على غير لكني وجدتها في ديوان المعاني لأبي هلال العسكري 28/2
وفي كتاب الهوامل والشوامل سؤالات أبي حيان التوحدي لأبي علي مسكويه صـــ 117
 
استعمل الشافعي ذالك فقال :
 
وهكذا ينبغي أن يكون الصالحون من أهل العلم . فأما ما تذهبون إليه من ترك السنة لغيرها وترك ذلك الغير لرأي أنفسكم .... إلخ "
واستعملها في موضع آخرٍ فقال :
فلو حلف أن لا يبيع له رجلٌ سلعة فدفعها إلى غيره ليبيعها فدفعها ذلك الغير إلى الذي حلف .... إلخ "
وقد قيل في الشافعي من الإمام أحمد بن حنبل : الشافعي فيلسوف في أربعة : اللغة واختلاف الناس ، والمعاني ، والفقه .
كما أجيزت من ملك النحاة " أبو نزار الحسن بن صافي بن عبد الله بن نزار البغدادي الشافعي " ، والفيومي وابن الحنبلي ، والشهاب والخفاجي .. مستدلين بما يلي :1- أن القياس لا يمنعه
2-
أن " أل " الداخلة على غير ليست " أل" التعريف بل هي المعاقبة للإضافة . نحو قوله تعالى : ( فإن الجنة هي المأوى ) أي مأواه . وهي على هذا النحو ، لأنها لما شابهت المعرفة بإضافتها إلى المعرفة جاز أن يدخلها ما يعاقب الإضافة وهو الألف واللام
3-
أن بعض العلماء أثبتوا وأجازوا تعريفها بالإضافة في مواضع مخصوصة ، وإذا جاز تعريفها بالإضافة فلا مانع من تعرفها بالألف واللام في مواضع مخصوصة كذلك كأن يحمل الغير على الضد فيصح الحمل على النظير ، وهو شائعٌ في كلام العرب .
وفي كتاب " أحكام غير " للدكتور عبد العظيم فتحي خليل إجازة بدخول " أل " على غير وهي مضافة في ثلاث مسائل :
1_إذا كان ما أضيفت إليه مقروناً بأل .. نحو : ابتعد عن السلوك الغير المستقيم

2- إذا كان ما أضيفت إليه مضافاً لمقترن بأل .. نحو : ابتعد عن العوامل الغير مأمون العاقبة
3-
إذا كان ما أضيفت إليه مضافاً إلى ضمير ما اقترن بأل .. نحو : الشر أنت الغير فاعله
-
وبالنظر في كتاب " القرارات النحوية والتصريفية لمجمع اللغة العربية بالقاهرة .. جمعاً ودراسة وتقويماً لخالد العصيمي صــــ 175 " نجد أن مجمع اللغة العربية بالقاهرة قد أجاز دخول " أل " على غير مع إفادتها التعريف في مثل الحالة التي تعرف فيها بالإضافة إذا ما قامت قرينة على التعيين . وهو الرأي الذي وصل إليه العلماء السابقون ؛ ملك النحاة ، والفيومي ، وابن الحنبلي ...... إلخ وكذلك الدكتور عبد العظيم فتحي خليل في رأيه وآرائهم مفصلة .
-
رأي الخفاجي مذكورٌ في كتابه : " شرح درة الغواص في أوهام الخواص "
ورأي الفيومي مذكور في كتابه : " المصباح المنير في غريب الشرح الكبير "
كما قال الخفاجي حرفاً في ردٍ على رفض الحريري :
 
ما ادعاه من عدم دخول " أل " على غير وإن اشتهر .. فلا مانع منه قياساً "

ا.د مراد حيدر

حكم دخول "أل " علي   "غير"
ا.د/ مراد حيدر
اختلف اللغويون في دخول " أل " على غير فمنهم من أجازه ومنهم من رفضه . وهذا بحثُ مقتضب نهتم فيه بإيراد أدلة إيجاز دخول " أل " على غير بإيراد مجموع آراء العلماء المجيزين أو ما وفقنا إليه .
 
قال محمود محمد الطناحي في مقالة : " التصحيح اللغوي وضرورة التحري " والمنشورة في كتاب : " مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي " جـ1 . صـــ 202 :
منع بعضهم دخول " أل " على غير لكني وجدتها في ديوان المعاني لأبي هلال العسكري 28/2
وفي كتاب الهوامل والشوامل سؤالات أبي حيان التوحدي لأبي علي مسكويه صـــ 117
 
استعمل الشافعي ذالك فقال :
 
وهكذا ينبغي أن يكون الصالحون من أهل العلم . فأما ما تذهبون إليه من ترك السنة لغيرها وترك ذلك الغير لرأي أنفسكم .... إلخ "
واستعملها في موضع آخرٍ فقال :
فلو حلف أن لا يبيع له رجلٌ سلعة فدفعها إلى غيره ليبيعها فدفعها ذلك الغير إلى الذي حلف .... إلخ "
وقد قيل في الشافعي من الإمام أحمد بن حنبل : الشافعي فيلسوف في أربعة : اللغة واختلاف الناس ، والمعاني ، والفقه .
كما أجيزت من ملك النحاة " أبو نزار الحسن بن صافي بن عبد الله بن نزار البغدادي الشافعي " ، والفيومي وابن الحنبلي ، والشهاب والخفاجي .. مستدلين بما يلي :1- أن القياس لا يمنعه
2-
أن " أل " الداخلة على غير ليست " أل" التعريف بل هي المعاقبة للإضافة . نحو قوله تعالى : ( فإن الجنة هي المأوى ) أي مأواه . وهي على هذا النحو ، لأنها لما شابهت المعرفة بإضافتها إلى المعرفة جاز أن يدخلها ما يعاقب الإضافة وهو الألف واللام
3-
أن بعض العلماء أثبتوا وأجازوا تعريفها بالإضافة في مواضع مخصوصة ، وإذا جاز تعريفها بالإضافة فلا مانع من تعرفها بالألف واللام في مواضع مخصوصة كذلك كأن يحمل الغير على الضد فيصح الحمل على النظير ، وهو شائعٌ في كلام العرب .
وفي كتاب " أحكام غير " للدكتور عبد العظيم فتحي خليل إجازة بدخول " أل " على غير وهي مضافة في ثلاث مسائل :
1_إذا كان ما أضيفت إليه مقروناً بأل .. نحو : ابتعد عن السلوك الغير المستقيم

2- إذا كان ما أضيفت إليه مضافاً لمقترن بأل .. نحو : ابتعد عن العوامل الغير مأمون العاقبة
3-
إذا كان ما أضيفت إليه مضافاً إلى ضمير ما اقترن بأل .. نحو : الشر أنت الغير فاعله
-
وبالنظر في كتاب " القرارات النحوية والتصريفية لمجمع اللغة العربية بالقاهرة .. جمعاً ودراسة وتقويماً لخالد العصيمي صــــ 175 " نجد أن مجمع اللغة العربية بالقاهرة قد أجاز دخول " أل " على غير مع إفادتها التعريف في مثل الحالة التي تعرف فيها بالإضافة إذا ما قامت قرينة على التعيين . وهو الرأي الذي وصل إليه العلماء السابقون ؛ ملك النحاة ، والفيومي ، وابن الحنبلي ...... إلخ وكذلك الدكتور عبد العظيم فتحي خليل في رأيه وآرائهم مفصلة .
-
رأي الخفاجي مذكورٌ في كتابه : " شرح درة الغواص في أوهام الخواص "
ورأي الفيومي مذكور في كتابه : " المصباح المنير في غريب الشرح الكبير "
كما قال الخفاجي حرفاً في ردٍ على رفض الحريري :
 
ما ادعاه من عدم دخول " أل " على غير وإن اشتهر .. فلا مانع منه قياساً "

ا.د مراد حيدر

حكم دخول "أل " علي   "غير"
ا.د/ مراد حيدر
اختلف اللغويون في دخول " أل " على غير فمنهم من أجازه ومنهم من رفضه . وهذا بحثُ مقتضب نهتم فيه بإيراد أدلة إيجاز دخول " أل " على غير بإيراد مجموع آراء العلماء المجيزين أو ما وفقنا إليه .
 
قال محمود محمد الطناحي في مقالة : " التصحيح اللغوي وضرورة التحري " والمنشورة في كتاب : " مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي " جـ1 . صـــ 202 :
منع بعضهم دخول " أل " على غير لكني وجدتها في ديوان المعاني لأبي هلال العسكري 28/2
وفي كتاب الهوامل والشوامل سؤالات أبي حيان التوحدي لأبي علي مسكويه صـــ 117
 
استعمل الشافعي ذالك فقال :
 
وهكذا ينبغي أن يكون الصالحون من أهل العلم . فأما ما تذهبون إليه من ترك السنة لغيرها وترك ذلك الغير لرأي أنفسكم .... إلخ "
واستعملها في موضع آخرٍ فقال :
فلو حلف أن لا يبيع له رجلٌ سلعة فدفعها إلى غيره ليبيعها فدفعها ذلك الغير إلى الذي حلف .... إلخ "
وقد قيل في الشافعي من الإمام أحمد بن حنبل : الشافعي فيلسوف في أربعة : اللغة واختلاف الناس ، والمعاني ، والفقه .
كما أجيزت من ملك النحاة " أبو نزار الحسن بن صافي بن عبد الله بن نزار البغدادي الشافعي " ، والفيومي وابن الحنبلي ، والشهاب والخفاجي .. مستدلين بما يلي :1- أن القياس لا يمنعه
2-
أن " أل " الداخلة على غير ليست " أل" التعريف بل هي المعاقبة للإضافة . نحو قوله تعالى : ( فإن الجنة هي المأوى ) أي مأواه . وهي على هذا النحو ، لأنها لما شابهت المعرفة بإضافتها إلى المعرفة جاز أن يدخلها ما يعاقب الإضافة وهو الألف واللام
3-
أن بعض العلماء أثبتوا وأجازوا تعريفها بالإضافة في مواضع مخصوصة ، وإذا جاز تعريفها بالإضافة فلا مانع من تعرفها بالألف واللام في مواضع مخصوصة كذلك كأن يحمل الغير على الضد فيصح الحمل على النظير ، وهو شائعٌ في كلام العرب .
وفي كتاب " أحكام غير " للدكتور عبد العظيم فتحي خليل إجازة بدخول " أل " على غير وهي مضافة في ثلاث مسائل :
1_إذا كان ما أضيفت إليه مقروناً بأل .. نحو : ابتعد عن السلوك الغير المستقيم

2- إذا كان ما أضيفت إليه مضافاً لمقترن بأل .. نحو : ابتعد عن العوامل الغير مأمون العاقبة
3-
إذا كان ما أضيفت إليه مضافاً إلى ضمير ما اقترن بأل .. نحو : الشر أنت الغير فاعله
-
وبالنظر في كتاب " القرارات النحوية والتصريفية لمجمع اللغة العربية بالقاهرة .. جمعاً ودراسة وتقويماً لخالد العصيمي صــــ 175 " نجد أن مجمع اللغة العربية بالقاهرة قد أجاز دخول " أل " على غير مع إفادتها التعريف في مثل الحالة التي تعرف فيها بالإضافة إذا ما قامت قرينة على التعيين . وهو الرأي الذي وصل إليه العلماء السابقون ؛ ملك النحاة ، والفيومي ، وابن الحنبلي ...... إلخ وكذلك الدكتور عبد العظيم فتحي خليل في رأيه وآرائهم مفصلة .
-
رأي الخفاجي مذكورٌ في كتابه : " شرح درة الغواص في أوهام الخواص "
ورأي الفيومي مذكور في كتابه : " المصباح المنير في غريب الشرح الكبير "
كما قال الخفاجي حرفاً في ردٍ على رفض الحريري :
 
ما ادعاه من عدم دخول " أل " على غير وإن اشتهر .. فلا مانع منه قياساً "

ا.د مراد حيدر

حكم دخول "أل " علي   "غير"
ا.د/ مراد حيدر
اختلف اللغويون في دخول " أل " على غير فمنهم من أجازه ومنهم من رفضه . وهذا بحثُ مقتضب نهتم فيه بإيراد أدلة إيجاز دخول " أل " على غير بإيراد مجموع آراء العلماء المجيزين أو ما وفقنا إليه .
 
قال محمود محمد الطناحي في مقالة : " التصحيح اللغوي وضرورة التحري " والمنشورة في كتاب : " مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي " جـ1 . صـــ 202 :
منع بعضهم دخول " أل " على غير لكني وجدتها في ديوان المعاني لأبي هلال العسكري 28/2
وفي كتاب الهوامل والشوامل سؤالات أبي حيان التوحدي لأبي علي مسكويه صـــ 117
 
استعمل الشافعي ذالك فقال :
 
وهكذا ينبغي أن يكون الصالحون من أهل العلم . فأما ما تذهبون إليه من ترك السنة لغيرها وترك ذلك الغير لرأي أنفسكم .... إلخ "
واستعملها في موضع آخرٍ فقال :
فلو حلف أن لا يبيع له رجلٌ سلعة فدفعها إلى غيره ليبيعها فدفعها ذلك الغير إلى الذي حلف .... إلخ "
وقد قيل في الشافعي من الإمام أحمد بن حنبل : الشافعي فيلسوف في أربعة : اللغة واختلاف الناس ، والمعاني ، والفقه .
كما أجيزت من ملك النحاة " أبو نزار الحسن بن صافي بن عبد الله بن نزار البغدادي الشافعي " ، والفيومي وابن الحنبلي ، والشهاب والخفاجي .. مستدلين بما يلي :1- أن القياس لا يمنعه
2-
أن " أل " الداخلة على غير ليست " أل" التعريف بل هي المعاقبة للإضافة . نحو قوله تعالى : ( فإن الجنة هي المأوى ) أي مأواه . وهي على هذا النحو ، لأنها لما شابهت المعرفة بإضافتها إلى المعرفة جاز أن يدخلها ما يعاقب الإضافة وهو الألف واللام
3-
أن بعض العلماء أثبتوا وأجازوا تعريفها بالإضافة في مواضع مخصوصة ، وإذا جاز تعريفها بالإضافة فلا مانع من تعرفها بالألف واللام في مواضع مخصوصة كذلك كأن يحمل الغير على الضد فيصح الحمل على النظير ، وهو شائعٌ في كلام العرب .
وفي كتاب " أحكام غير " للدكتور عبد العظيم فتحي خليل إجازة بدخول " أل " على غير وهي مضافة في ثلاث مسائل :
1_إذا كان ما أضيفت إليه مقروناً بأل .. نحو : ابتعد عن السلوك الغير المستقيم

2- إذا كان ما أضيفت إليه مضافاً لمقترن بأل .. نحو : ابتعد عن العوامل الغير مأمون العاقبة
3-
إذا كان ما أضيفت إليه مضافاً إلى ضمير ما اقترن بأل .. نحو : الشر أنت الغير فاعله
-
وبالنظر في كتاب " القرارات النحوية والتصريفية لمجمع اللغة العربية بالقاهرة .. جمعاً ودراسة وتقويماً لخالد العصيمي صــــ 175 " نجد أن مجمع اللغة العربية بالقاهرة قد أجاز دخول " أل " على غير مع إفادتها التعريف في مثل الحالة التي تعرف فيها بالإضافة إذا ما قامت قرينة على التعيين . وهو الرأي الذي وصل إليه العلماء السابقون ؛ ملك النحاة ، والفيومي ، وابن الحنبلي ...... إلخ وكذلك الدكتور عبد العظيم فتحي خليل في رأيه وآرائهم مفصلة .
-
رأي الخفاجي مذكورٌ في كتابه : " شرح درة الغواص في أوهام الخواص "
ورأي الفيومي مذكور في كتابه : " المصباح المنير في غريب الشرح الكبير "
كما قال الخفاجي حرفاً في ردٍ على رفض الحريري :
 
ما ادعاه من عدم دخول " أل " على غير وإن اشتهر .. فلا مانع منه قياساً "

ا.د مراد حيدر

Jumat, 27 September 2013

الأمـــالي علي بداية المجتهد

الأمـــالي
علي بداية المجتهد
‘‘بحوث مختصرة ، علي بداية المجتهد لفقيه عصره وقاضي عهده  العلامة ابن رشد الحفيد ، رأيت أن أوضح فيها للدارسين "للبداية" ما بذلتٌ فيه جهْدي وأوفي علي النهاية، جمعتٌ فيها بعضا من الشوارد التي لم يستقصها العلامة ابن رشد في البداية،،
الدكتور
مراد محمود حيدر
أستاذ الفقه المقارن المشارك  ـ كلية الشريعة والقانون بالقاهرة ـ جامعة الأزهر الشريف، ومعهد العلوم الإسلامية والعربية ـ جاكرتا .


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ،ولي المتقين ، وأنيس الصالحين ، ومولي العارفين ، والصلاة والسلام علي سيدنا ومولانا محمد  النبي الأمين ،المبعوث رحمة للعالمين ،وبعد:
فهذه بحوث مختصرة ، علي بداية المجتهد لفقيه عصره وقاضي عهده  العلامة ابن رشد الحفيد ، رأيت أن أوضح فيها للطلاب الدارسين "للبداية" ما بذلت فيه جهدي وأوفي علي النهاية،وقد وَسمْتُها بـ"الأمالي" جمعت فيها بعضا من الشوارد التي لم يستقصها العلامة ابن رشد في "البداية"  إما لانشغاله بالتآليف الأخرى ، وإما تجنبا للإطالة كما نص هو في مقدمة البداية ،وغرضي من هذه "الأمالي " أن أوسع مدارك الطالب ،وأن أُربّي فيه ملكة الفقه بالاطلاع علي أسباب الخلاف ، وتحقيق آراء الفقهاء من مظانّها المعتمدة ، وأن  أَغرس فيه مبادئ ملكة الاجتهاد في فهم النصوص ،والتأمل في قواعد الاستنباط ،وغير ذلك من المآرب التي تتحقق تبعا لذلك إن لم تكن أصلا،وأكتفي بهذا القدر ،خشية الإطالة ..والله من وراء القصد "وما توفيقي "
كتبهُ الفقير إلي عفو مولاه:
أبو محمد مراد بن محمود آل حيدر
كلية الشريعة والقانون بالقاهرة ـ جامعة الأزهر الشريف
جاكرتا الجنوبية في19/11/1434هـ /23/9/2013م

الإملاء الأول:
قال ابن رشد رحمه الله:
[كِتَابُ الْقِصَاصِ] [الْقِسْمُ الْأَوَّلُ النَّظَرُ فِي مُوجِبِ الْقِصَاصِ]
وَهَذَا الْكِتَابُ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ:
الْأَوَّلُ: النَّظَرُ فِي الْقِصَاصِ فِي النُّفُوسِ.
وَالثَّانِي: النَّظَرُ فِي الْقِصَاصِ فِي الْجَوَارِحِ، فَلْنَبْدَأْ مِنَ الْقِصَاصِ فِي النُّفُوسِ.
كِتَابُ الْقِصَاصِ فِي النُّفُوسِ وَالنَّظَرُ أَوَّلًا فِي هَذَا الْكِتَابِ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: إِلَى النَّظَرِ فِي الْمُوجِبِ (أَعْنِي: لِلْقِصَاصِ) ، وَإِلَى النَّظَرِ فِي الْوَاجِبِ (أَعْنِي: الْقِصَاصَ) وَفِي إِبْدَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ بَدَلٌ. فَلْنَبْدَأْ أَوَّلًا بِالنَّظَرِ فِي الْمُوجِبِ.
وَالنَّظَرُ فِي الْمُوجِبِ يَرْجِعُ إِلَى النَّظَرِ فِي صِفَةِ الْقَتْلِ وَالْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ الَّتِي يَجِبُ بِمَجْمُوعِهَا الْقِصَاصُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَيُّ قَاتِلٍ اتَّفَقَ يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَلَا بِأَيِّ قَتْلٍ اتَّفَقَ، وَلَا مِنْ أَيِّ مَقْتُولٍ اتَّفَقَ، بَلْ مِنْ قَاتِلٍ مَحْدُودٍ وَمَقْتُولٍ مَحْدُودٍ، إِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ فِي هَذَا الْبَابِ إِنَّمَا هُوَ الْعَدْلُ. فَلْنَبْدَأْ مِنَ النَّظَرِ فِي الْقَاتِلِ، ثُمَّ فِي الْقَتْلِ، ثُمَّ فِي الْمَقْتُولِ.
ـ الْقَوْلُ فِي الشُّرُوطِ
فَنَقُولُ: إِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ الَّذِي يُقَادُ مِنْهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ بِاتِّفَاقٍ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا بَالِغًا مُخْتَارًا لِلْقَتْلِ مُبَاشِرًا غَيْرَ مُشَارِكٍ لَهُ فِيهِ غَيْرَهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُكْرِهِ وَالْمُكْرَهِ، وَبِالْجُمْلَةِ الْآمِرُ وَالْمُبَاشِرُ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَجَمَاعَةٌ: الْقَتْلُ عَلَى الْمُبَاشِرِ دُونَ الْآمِرِ، وَيُعَاقَبُ الْآمِرُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُقْتَلَانِ جَمِيعًا، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ إِكْرَاهٌ وَلَا سُلْطَانٌ لِلْآمِرِ عَلَى الْمَأْمُورِ.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ لِلْآمِرِ سُلْطَانٌ عَلَى الْمَأْمُورِ (أَعْنِي: الْمُبَاشِرَ) ، فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
فَقَالَ قَوْمٌ: يُقْتَلُ الْآمِرُ دُونَ الْمَأْمُورِ، وَيُعَاقَبُ الْمَأْمُورُ، وَبِهِ قَالَ دَاوُدُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. ([1])

وَقَالَ قَوْمٌ: يُقْتَلُ الْمَأْمُورُ دُونَ الْآمِرِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. ([2])
وَقَالَ قَوْمٌ: يُقْتَلَانِ جَمِيعًا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. ([3])
فَمَنْ لَمْ يُوجِبْ حَدًّا عَلَى الْمَأْمُورِ اعْتَبَرَ تَأْثِيرَ الْإِكْرَاهِ فِي إِسْقَاطِ كَثِيرٍ مِنَ الْوَاجِبَاتِ فِي الشَّرْعِ، لِكَوْنِ الْمُكْرَهِ يُشْبِهُ مَنْ لَا اخْتِيَارَ لَهُ.
وَمَنْ رَأَى عَلَيْهِ الْقَتْلَ غَلَّبَ عَلَيْهِ حُكْمَ الِاخْتِيَارِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُكْرَهَ يُشْبِهُ مِنْ جِهَةٍ الْمُخْتَارَ،وَيُشْبِهُ مِنْ جِهَةٍ الْمُضْطَرَّ الْمَغْلُوبَ، مِثْلَ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ عُلُوٍّ، وَالَّذِي تَحْمِلُهُ الرِّيحُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ.
وَمَنْ رَأَى قَتْلَهُمْ جَمِيعًا لَمْ يَعْذُرِ الْمَأْمُورَ بِالْإِكْرَاهِ وَلَا الْآمِرَ بِعَدَمِ الْمُبَاشَرَةِ.
وَمَنْ رَأَى قَتْلَ الْآمِرِ فَقَطْ شَبَّهَ الْمَأْمُورَ بِالْآلَةِ الَّتِي لَا تَنْطِقُ.
وَمَنْ رَأَى الْحَدَّ عَلَى غَيْرِ الْمُبَاشِرِ اعْتَمَدَ أَنَّهُ لَيْسَ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ قَاتِلٍ إِلَّا بِالِاسْتِعَارَةِ.
وَقَدِ اعْتَمَدَتِ الْمَالِكِيَّةُ فِي قَتْلِ الْمُكْرَهِ عَلَى الْقَتْلِ بِالْقَتْلِ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ مِنْ مَخْمَصَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ إِنْسَانًا فَيَأْكُلَه
أقــول:
 الإكراه لغة: عبارة عن حمل الإنسان على أمر يكرهه، وقيل: على أمر لا يريده طبعًا, أو شرعًا([4])
واصطلاحا: حمل الغير على أمر يمتنع عنه بتخويف يقدر الحامل على إيقاعه, ويصير الغير خائفًا به فائت الرضا بالمباشرة»([5])
إذا كان الإكراه ملجئًا(أي كاملا ،بحيث ينعدم  معه اختيار المُكرَه ) وكان الفعل المكره عليه هو قتل النفس المعصومة، أو قطع عضو من الأعضاء, أو الضرب المفضي إلى هلاك النفس أو العضو،فإنه لا يجوز للمُكرَه الإقدام على هذا الفعل، بل يجب عليه الامتناع والصبر حتى ولو كان في امتناعه عن ذلك هلاك نفسه أو عضوه. ([6])
ـ العقوبة الأخروية والدنيوية للقاتل عمدا:
أولا: العقوبة الأخروية:
قال تعالي ﴿ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾([7])
لقد قررت الآية أربع عقوبات أخروية لمرتكب القتل العمد، والعقوبات الأخروية هي:
1- الخلود والبقاء الأبدي في نار جهنم.2- إحاطة غضب الله وسخطه بالقاتل.
3- الحرمان من رحمة الله ولعنه.4- العذاب العظيم الذي ينتظره في الآخرة.
والملاحظ هنا :أنَّ العقاب الأخرويَّ الذي خصّصه الله للقاتل في حالة العمد، هو من أشدُّ أنواع العذاب والعقاب.
فإن أقدم على ذلك فعليه العقاب الأخروي -الإثم- باتفاق العلماء؛ لأن نفس الغير معصومة كنفس المكره، ولا يجوز للإنسان أن يدفع الضرر عن نفسه بإيقاعه على غيره.
وقد نقل الإمام القرطبي الإجماع  على أن من أُكره على قتل غيره أنه لا يجوز له الإقدام على قتله, ولا انتهاك حرمته بجلد أو غيره، ويصبر على البلاء الذي نـزل به، ولا يحل له أن يفدي نفسه بغيره، ويسأل الله العافية في الدنيا والآخرة ([8])
ثانيا:العقوبة الدنيوية:
كذلك اتفق العلماء على استحقاق الفاعل العقوبة الدنيوية، ولكنهم يختلفون في نوع هذه العقوبة وفيمن يستحقها، أهو المكرَه أم الحامل على الفعل على النحو السابق
ـ والذي أرجحه :هو القول بوجوب القصاص علي المكرِه والمكرَه معا وهو مذهب المالكية والحنابلة  لما ذكره صاحب العدة" أما المكرِه؛ فلأنه تسبب إلى القتل العمد العدوان فوجب عليه القصاص، كشهود القصاص إذا رجعوا، وأما المكرَه فإنه قتل من يكافئه ظلما عدوانا فوجب عليه القصاص كما لو لم يكره، والدليل على أنه قتل أنه أخذ السيف وحز الرقبة، ولأن القتل عبارة عن جرح يتبعه الزهوق وقد وجد منه ذلك، ولأنه أثم بذلك فإن عليه إثم القتل، والدليل على أنه عمد أنه قصد الفعل بآلة محصلة له، ولأن الإكراه لم يسلبه اختياره ولا ضعف قصده بل هيج دواعيه وكثرها، ولا يقال: إنه ينزل بمنزلة الآلة، فإن الآلة لا تأثم وهذا يأثم، والآلة ليس لها قصد وهذا له قصد صحيح، فإنه وقى نفسه واستبقاها بقتل أخيه المسلم، فينبغي أن يجب عليه القصاص ويصير كما لو قال له: اقتله وإلا قتلتك غدا فقتله فإنه يجب عليه القصاص"([9])

ـ الإملاء الثاني: ([10])

ـ الاشتراك في القتل: قال المصنف رحمه الله:
وَأَمَّا الْمُشَارِكُ لِلْقَاتِلِ عَمْدًا فِي الْقَتْلِ، فَقَدْ يَكُونُ الْقَتْلُ عَمْدًا وَخَطَأً، وَقَدْ يَكُونُ الْقَاتِلُ مُكَلَّفًا وَغَيْرَ مُكَلَّفٍ، وَسَنَذْكُرُ الْعَمْدَ عِنْدَ قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ.
وَأَمَّا إِذَا اشْتَرَكَ فِي الْقَتْلِ عَامِدٌ وَمُخْطِئٌ أَوْ مُكَلَّفٌ وَغَيْرُ مُكَلَّفٍ، مِثْلَ عَامِدٍ وَصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ، أَوْ حُرٍّ وَعَبْدٍ فِي قَتْلِ عَبْدٍ عِنْدَ مَنْ لَا يُقِيدُ مِنَ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ:
فَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: عَلَى الْعَامِدِ الْقِصَاصُ، وَعَلَى الْمُخْطِئِ وَالصَّبِيِّ نِصْفُ الدِّيَةِ، إِلَّا أَنَّ مَالِكًا يَجْعَلُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالشَّافِعِيَّ فِي مَالِهِ عَلَى مَا يَأْتِي، وَكَذَلِكَ قَالَا فِي الْحُرِّ وَالْعَبْدِ يَقْتُلَانِ الْعَبْدَ عَمْدًا أَنَّ الْعَبْدَ يُقْتَلُ، وَعَلَى الْحُرِّ نِصْفُ الْقِيمَةِ، وَكَذَلِكَ الْحَالُ فِي الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ يُقْتَلَانِ جَمِيعًا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا اشْتَرَكَ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ مَعَ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَعَلَيْهِمَا الدِّيَةُ.
وَعُمْدَةُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ هَذِهِ شُبْهَةٌ، فَإِنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَبَعَّضُ وَمُمْكِنٌ أَنْ تَكُونَ إِفَاتَةُ نَفْسِهِ مِنْ فِعْلِ الَّذِي لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ كَإِمْكَانِ ذَلِكَ مِمَّنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» ، وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الدَّمُ وَجَبَ بَدَلُهُ، وَهُوَ الدِّيَةُ.
وَعُمْدَةُ الْفَرِيقِ الثَّانِي النَّظَرُ إِلَى الْمَصْلَحَةِ الَّتِي تَقْتَضِي التَّغْلِيظَ لِحَوْطَةِ الدِّمَاءِ، فَكَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا انْفَرَدَ بِالْقَتْلِ فَلَهُ حُكْمُ نَفْسِهِ، وَفِيهِ ضَعْفٌ فِي الْقِيَاسِ.
ـ أقــول:
ورأي الحنابلة :أنه وإن كان شريك العامد مخطئا فلا قود على واحد منهما، أما المخطئ فلا قصاص عليه؛ لقوله سبحانه: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب: 5] ، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان» وأجمعوا على أنه لا قود عليه، وأما شريكه فكذلك عند أكثرهم، وعنه: عليه القود؛ لأنه شارك في القتل العمد العدوان فأشبه شريك العامد؛ ولأنه مؤاخذ بفعله وهو عمد عدوان لا عذر له فيه، ولنا أنه قتل غير متمحض عمدا فلم يوجب القود كشبه العمد وكما لو قتله واحد بجرحين عمدا وخطأ.

 والذي يترجح في نظري
إن نَّ حرمة دم الإنسان في الإسلام لا تختصُّ بالمسلمين وحسب، بل تشمل غير المسلمين أيضاً من غير المحاربين، والّذين يعيشون مع المسلمين عيشةً مسالمةً، فإنَّ دماءهم أيضاً وأعراضهم وأرواحهم مصونة ويحرم التجاوز عليها.
تشير الآية بعد ذلك إلى حق القصاص بالمثل لوليِّ القتيل فتقول: 
﴿وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا، ولكن في نفس الوقت ينبغي لوليِّ المقتول أن يلتزم حدَّ الإعتدال ولا يسرف في القتل.
إنَّ رعاية العدالة حتى في عقاب القاتل تعتبر مهمة إسلامية، لذلك نقرأ في وصيِّة الإمام علي عليه السلام، بعد أن اغتاله عبد الرحمن ابن ملجم المرادي قوله: "يا بني عبد المطلب، لا ألفينَّكم تخوضون دماء المسلمين، تقولون قتل أمير المؤمنين، ألا لا تقتلُنَّ بي إلا قاتلي، أنظروا إذا أنا متُّ من ضربته هذه، فاضربوه، ضربة بضربة، ولا تمثلوا بالرجل"3
2- ﴿... فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ...4.
الإسلام وخلافاً للمسيحيَّة الكنسيَّة التي تقول: "إذا لطمك شخص على خدِّك الأيمن فأدر له الأيسر"، لا يقول بمثل هذا الحكم الّذي يبعث على جرأة المعتدي وتطاول الظالم، بل يقول: يجب التصدِّي للظالم والمعتدي، ويعطي الحق للمظلومين والمعتدى عليهم المقابلة بالمثل، فالاستسلام في منطق الإسلام يعني الموت، والمقاومة والتصدِّي هي الحياة.
وهذا طبعاً لا يتعارض مع مسألة العفو والصفح عن الإخوان والأصدقاء.
3- ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا ...5.
هذه الآية تقرِّر في الواقع حقيقة من الحقائق، فالمؤمن لا يسمح لنفسه اطلاقاً

الإملاء الثالث:
 قال المصنف رحمه الله :
وَأَمَّا صِفَةُ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ الْعَمْدُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ صِنْفَانِ: عَمْدٌ، وَخَطَأٌ. وَاخْتَلَفُوا فِي هَلْ بَيْنَهُمَا وَسَطٌ أَمْ لَا؟ وَهُوَ الَّذِي يُسَمُّونَهُ شِبْهَ الْعَمْدِ، فَقَالَ بِهِ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ. وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ نَفْيُهُ إِلَّا فِي الِابْنِ مَعَ أَبِيهِ. وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ يَتَخَرَّجُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، وَبِإِثْبَاتِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلِيٌّ، وَعُثْمَانُ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَالْمُغِيرَةُ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ.
وَالَّذِينَ قَالُوا بِهِ فَرَّقُوا فِيمَا هُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ مِمَّا لَيْسَ بِعَمْدٍ، وَذَلِكَ رَاجِعٌ فِي الْأَغْلَبِ إِلَى الْآلَاتِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا الْقَتْلُ، وَإِلَى الْأَحْوَالِ الَّتِي كَانَ مِنْ أَجْلِهَا الضَّرْبُ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: كُلُّ مَا عَدَا الْحَدِيدَ مِنَ الْقُضُبِ أَوِ النَّارِ وَمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ فَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ: شِبْهُ الْعَمْدِ مَا لَا يَقْتُلُ مِثْلُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: شِبْهُ الْعَمْدِ مَا كَانَ عَمْدًا فِي الضَّرْبِ خَطَأً فِي الْقَتْلِ (أَيْ: مَا كَانَ ضَرْبًا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الْقَتْلُ فَتَوَلَّدَ عَنْهُ الْقَتْلُ) .
وَالْخَطَأُ مَا كَانَ خَطَأً فِيهِمَا جَمِيعًا. وَالْعَمْدُ مَا كَانَ عَمْدًا فِيهِمَا جَمِيعًا، وَهُوَ حَسَنٌ.
فَعُمْدَةُ مَنْ نَفَى شِبْهَ الْعَمْدِ أَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ (أَعْنِي: بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ الْقَتْلَ أَوْ لَا يَقْصِدَهُ) . وَعُمْدَةُ مَنْ أَثْبَتَ الْوَسَطَ أَنَّ النِّيَّاتِ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إِلَّا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَإِنَّمَا الْحُكْمُ بِمَا ظَهَرَ.
فَمَنْ قَصَدَ ضَرْبَ آخَرَ بِآلَةٍ لَا تَقْتُلُ غَالِبًا كَانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ الْغَالِبِ (أَعْنِي: حُكْمَ مَنْ قَصَدَ الْقَتْلَ فَقَتَلَ بِلَا خِلَافٍ) .
وَمَنْ قَصَدَ ضَرْبَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ بِآلَةٍ لَا تَقْتُلُ غَالِبًا كَانَ حُكْمُهُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ وَهَذَا فِي حَقِّنَا لَا فِي حَقِّ الْآمِرِ نَفْسِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
أَمَّا شُبْهَةُ الْعَمْدِ فَمِنْ جِهَةِ مَا قَصَدَ ضَرْبَهُ. وَأَمَّا شَبَهُهُ لِلْخَطَأِ فَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ ضَرَبَ بِمَا لَا يَقْصِدُ بِهِ الْقَتْلَ. وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَلَا إِنَّ قَتْلَ الْخَطَأِ شِبْهِ الْعَمْدِ مَا كَانَ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْحَجَرِ دِيَتُهُ مُغَلَّظَةٌ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» إِلَّا أَنَّهُ حَدِيثٌ مُضْطَرِبٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ لَا يَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ فِيمَا ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَإِنْ كَانَ أَبُو دَاوُدَ، وَغَيْرُهُ قَدْ خَرَّجَهُ، فَهَذَا النَّحْوُ مِنَ الْقَتْلِ عِنْدَ مَنْ لَا يُثْبِتُهُ يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ، وَعِنْدَ مَنْ أَثْبَتَهُ تَجِبُ بِهِ الدِّيَةُ، وَلَا خِلَافَ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ الضَّرْبَ يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ وَالنَّائِرَةِ يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ.
وَاخْتُلِفَ فِي الَّذِي يَكُونُ عَمْدًا عَلَى جِهَةِ اللَّعِبِ، أَوْ عَلَى جِهَةِ الْأَدَبِ لِمَنْ أُبِيحَ لَهُ الْأَدَبُ.
الإملاء الثالث:
قال المصنف رحمه الله :
وَأَمَّا الشَّرْطُ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ فِي الْمَقْتُولِ، فَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُكَافِئًا لِدَمِ الْقَاتِلِ. وَالَّذِي بِهِ تَخْتَلِفُ النُّفُوسُ هُوَ الْإِسْلَامُ وَالْكُفْرُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْعُبُودِيَّةُ وَالذُّكُورِيَّةُ وَالْأُنُوثِيَّةُ وَالْوَاحِدُ وَالْكَثِيرُ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَقْتُولَ إِذَا كَانَ مُكَافِئًا لِلْقَاتِلِ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ إِذَا لَمْ تَجْتَمِعْ.
أَمَّا الْحُرُّ إِذَا قَتَلَ الْعَبْدَ عَمْدًا، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ: لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ إِلَّا عَبْدَ نَفْسِهِ، وَقَالَ قَوْمٌ: يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ سَوَاءٌ أَكَانَ عَبْدَ الْقَاتِلِ أَوْ عَبْدَ غَيْرِ الْقَاتِلِ، وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ.
فَمَنْ قَالَ: لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ احْتَجَّ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] ، وَمَنْ الَ: بِقْتَلِ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ» .
فَسَبَبُ الْخِلَافِ مُعَارَضَةُ الْعُمُومِ لِدَلِيلِ الْخِطَابِ، وَمَنْ فَرَّقَ فَضَعِيفٌ.
وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْعَبْدَ يُقْتَلُ بِالْحُرِّ، وَكَذَلِكَ الْأَنْقَصُ بِالْأَعْلَى.
وَمِنَ الْحُجَّةِ أَيْضًا لِمَنْ قَالَ: يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ بِهِ» وَمِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى قَالُوا: وَلَمَّا كَانَ قَتْلُهُ مُحَرَّمًا كَقَتْلِ الْحُرِّ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقِصَاصُ فِيهِ كَالْقِصَاصِ فِي الْحُرِّ.
وَأَمَّا قَتْلُ الْمُؤْمِنِ بِالْكَافِرِ الذِّمِّيِّ، فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
فَقَالَ قَوْمٌ: لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَجَمَاعَةٌ.
وَقَالَ قَوْمٌ: يُقْتَلُ بِهِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى.
وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ: لَا يُقْتَلُ بِهِ إِلَّا أَنْ يَقْتُلَهُ غِيلَةً (وَقَتْلُ الْغِيلَةِ أَنْ يُضْجِعَهُ فَيَذْبَحَهُ وَبِخَاصَّةٍ عَلَى مَالِهِ) .
فَعُمْدَةُ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ مَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ سَأَلَهُ قَيْسُ بْنُ عُبَادَةَ، وَالْأَشْتَرُ: هَلْ عَهِدَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَهْدًا لَمْ يَعْهَدْهُ إِلَى النَّاسِ قَالَ: لَا، إِلَّا مَا فِي كِتَابِي هَذَا، وَأَخْرَجَ كِتَابًا مِنْ قِرَابِ سَيْفِهِ فَإِذَا فِيهِ: «الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، أَلَا لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ، مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِالْحَرْبِيِّ الَّذِي أُمِّنَ.
وَأَمَّا أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فَاعْتَمَدُوا فِي ذَلِكَ آثَارًا مِنْهَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّلْمَانِيِّ، قَالَ: «قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ،وَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ مَنْ وَفَّى بِعَهْدِهِ» وَرَوَوْا ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، قَالُوا: وَهَذَا مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» أَيْ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْكَافِرُ الْحَرْبِيُّ دُونَ الْكَافِرِ الْمُعَاهَدِ، وَضَعَّفَ أَهْلُ الْحَدِيثِ حَدِيثَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّلْمَانِيِّ، وَمَا رَوَوْا مِنْ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ.
وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ فَإِنَّهُمُ اعْتَمَدُوا عَلَى إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ يَدَ الْمُسْلِمِ تُقْطَعُ إِذَا سَرَقَ مِنْ مَالِ الذِّمِّيِّ، قَالُوا: فَإِذَا كَانَتْ حُرْمَةُ مَالِهِ كَحُرْمَةِ مَالِ الْمُسْلِمِ فَحُرْمَةُ دَمِهِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ، فَسَبَبُ الْخِلَافِ تَعَارُضُ الْآثَارِ وَالْقِيَاسِ.
وَأَمَّا قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ، فَإِنَّ جُمْهُورَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ قَالُوا تُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ، مِنْهُمْ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُمْ، سَوَاءٌ كَثُرَتِ الْجَمَاعَةُ أَوْ قَلَّتْ، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ حَتَّى رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ جَمِيعًا. وَقَالَ دَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ: لَا تُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ.
وَكَذَلِكَ عِنْدَ هَذِهِ الطَّائِفَةِ لَا تُقْطَعُ أَيْدٍ بِيَدٍ (أَعْنِي: إِذَا اشْتَرَكَ اثْنَانِ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ فِي قَطْعِ يَدٍ) ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: تُقْطَعُ الْأَيْدِي بِالْيَدِ، وَفَرَّقَتِ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ، فَقَالُوا: تُقْتَلُ الْأَنْفُسُ بِالنَّفْسِ، وَلَا يُقْطَعُ بِالطَّرَفِ إِلَّا طَرَفٌ وَاحِدٌ، وَسَيَأْتِي هَذَا فِي بَابِ الْقِصَاصِ مِنَ الْأَعْضَاءِ.
فَعُمْدَةُ مَنْ قَتَلَ بِالْوَاحِدِ الْجَمَاعَةَ النَّظَرُ إِلَى الْمَصْلَحَةِ، فَإِنَّهُ مَفْهُومٌ أَنَّ الْقَتْلَ إِنَّمَا شُرِعَ لِنَفْيِ الْقَتْلِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ} [البقرة: 179] وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَوْ لَمْ تُقْتَلِ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ لَتَذَرَّعَ النَّاسُ إِلَى الْقَتْلِ بِأَنْ يَتَعَمَّدُوا قَتْلَ الْوَاحِدِ بِالْجَمَاعَةِ، وَلَكِنْ لِلْمُعْتَرِضِ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ هَذَا إِنَّمَا كَانَ يَلْزَمُ لَوْ لَمْ يَقْتُلْ مِنَ الْجَمَاعَةِ أَحَدٌ، فَأَمَّا إِنْ قَتَلَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ وَهُوَ الَّذِي مِنْ قَتْلِهِ يُظَنُّ إِتْلَافُ النَّفْسِ غَالِبًا عَلَى الظَّنِّ، فَلَيْسَ يَلْزَمُ أَنْ يَبْطُلَ الْحَدُّ حَتَّى يَكُونَ سَبَبًا لِلتَّسْلِيطِ عَلَى إِذْهَابِ النُّفُوسِ.
وَعُمْدَةُ مَنْ قَتَلَ الْوَاحِدَ بِالْوَاحِدِ قَوْله تَعَالَى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: 45] .
وَأَمَّا قَتْلُ الذَّكَرِ بِالْأُنْثَى، فَإِنَّ ابْنَ الْمُنْذِرِ وَغَيْرَهُ مِمَّنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ حَكَى أَنَّهُ إِجْمَاعٌ، إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَعَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ أَنَّهُ إِذَا قُتِلَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ كَانَ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْمَرْأَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ. وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الذَّكَرُ بِالْأُنْثَى، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ، وَهُوَ شَاذٌّ، وَلَكِنَّ دَلِيلَهُ قَوِيٌّ لِقَوْلِهِ عَالَى: {وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى} [البقرة: 178] وَإِنْ كَانَ يُعَارِضُ دَلِيلَ الْخِطَابِ هَاهُنَا الْعُمُومِ الَّذِي فِي قَوْله تَعَالَى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] لَكِنْ يَدْخُلُهُ أَنَّ هَذَا الْخِطَابَ وَارِدٌ فِي غَيْرِ شَرِيعَتِنَا، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا (أَعْنِي: هَلْ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا أَمْ لَا؟) ، وَالِاعْتِمَادُ فِي قَتْلِ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ هُوَ النَّظَرُ إِلَى الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ.
وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي الْأَبِ وَالِابْنِ، فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُقَادُ الْأَبُ بِالِابْنِ إِلَّا أَنْ يُضْجِعَهُ فَيَذْبَحَهُ، فَأَمَّا إِنْ حَذَفَهُ بِسَيْفٍ أَوْ عَصًا فَقَتَلَهُ لَمْ يُقْتَلْ، وَكَذَلِكَ الْجَدُّ عِنْدَهُ مَعَ حَفِيدِهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ: لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ وَلَا الْجَدُّ بِحَفِيدِهِ إِذَا قَتَلَهُ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ مِنْ أَوْجُهِ الْعَمْدِ، وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ.
وَعُمْدَتُهُمْ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ وَلَا يُقَادُ بِالْوَلَدِ الْوَالِدُ» . وَعُمْدَةُ مَالِكٍ عُمُومُ الْقِصَاصِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ مَا رَوَوْهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ يُقَالُ لَهُ: قَتَادَةُ حَذَفَ ابْنًا لَهُ بِالسَّيْفِ فَأَصَابَ سَاقَهُ، فَنُزِفَ جُرْحُهُ فَمَاتَ، فَقَدِمَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اعْدُدْ عَلَى مَاءِ قُدَيْدٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ بَعِيرٍ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيْكَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ عُمَرُ أَخَذَ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ ثَلَاثِينَ حِقَّةً وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً، ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ أَخُو الْمَقْتُولِ، فَقَالَ: هأَنذَا، قَالَ: خُذْهَا، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ» .
فَإِنَّ مَالِكًا حَمَلَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَمْدًا مَحْضًا، وَأَثْبَتَ مِنْهُ شِبْهَ الْعَمْدِ فِيمَا بَيْنَ الِابْنِ وَالْأَبِ.
وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَحَمَلُوهُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ أَنَّهُ عَمْدٌ لِإِجْمَاعِهِمْ أَنَّ مَنْ حَذَفَ آخَرَ بِسَيْفٍ فَقَتَلَهُ فَهُوَ عَمْدٌ.
وَأَمَّا مَالِكٌ فَرَأَى لِمَا لِلْأَبِ مِنَ التَّسَلُّطِ عَلَى تَأْدِيبِ ابْنِهِ وَمِنَ الْمَحَبَّةِ لَهُ أَنْ حَمَلَ الْقَتْلَ الَّذِي يَكُونُ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِعَمْدٍ، وَلَمْ يَتَّهِمْهُ إِذْ كَانَ لَيْسَ بِقَتْلِ غِيلَةٍ، فَإِنَّمَا يُحْمَلُ فَاعِلُهُ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ الْقَتْلَ مِنْ جِهَةِ غَلَبَةِ الظَّنِّ وَقُوَّةِ التُّهْمَةِ، إِذْ كَانَتِ النِّيَّاتُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، فَمَالِكٌ لَمْ يَتَّهِمِ الْأَبَ حَيْثُ اتَّهَمَ الْأَجْنَبِيَّ، لِقُوَّةِ الْمَحَبَّةِ الَّتِي بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ. وَالْجُمْهُورُ إِنَّمَا عَلَّلُوا دَرْءَ الْحَدِّ عَنِ الْأَبِ لِمَكَانِ حَقِّهِ عَلَى الِابْنِ، وَالَّذِي يَجِيءُ عَلَى أُصُولِ أَهْلِ الظَّاهِرِ أَنْ يُقَادَ، فَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ فِي الْمُوجِبِ.
ـ أقول:
 



([1]) والتحقيق عندي أن هذا ليس أحد قولي الشافعي في هذه المسألة ،بل في مسألة أخري ،وبيان ذلك كما قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ مِنْ أَمْرِ غَيْرِهِ بِقَتْلِ نَفْسٍ ظُلْمًا بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ إِمَامًا مُلْتَزَمَ الطَّاعَةِ.وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُتَغَلِّبًا نَافِذَ الْأَمْرِ.وَالثَّالِثُ: أَنْ يُسَاوِيَ الْمَأْمُورَ، وَلَا يَعْلُوَ عَلَيْهِ بِطَاعَةٍ وَلَا قُدْرَةٍ." فهنا الآمرمن القسم الأول وهو الإمام  الذي تجب طاعته ،والمأمور يعتقد ذلك ... فَلَا قَوَدَ عَلَى الْمَأْمُورِ، وَلَا دِيَةَ،وَعَلَى الْإِمَامِ الْقَوَدُ، لِأَنَّ أَمْرَهُ إِذَا كَانَ مُلْتَزَمَ الطَّاعَةِ يَقُومُ مَقَامَ فِعْلِهِ لِنُفُوذِهِ، وَحُدُوثِ الْفِعْلِ عَنْهُ، وَجَرَى الْمَأْمُورُ مَعَهُ جَرْيَ الْآلَةِ.قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا قَتْلُ الْأَئِمَّةِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُورِ أَنْ يُكَفِّرَ لِمَا تَوَلَّاهُ مِنَ المُبَاشَرَةِ"
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ بِالْقَتْلِ مُتَغَلِّبًا فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ....وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ :أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ بِالْقَتْلِ مُسَاوِيًا لِلْمَأْمُورِ لَا يَفْضُلُ عَلَيْهِ بِقُدْرَةٍ، وَلَا يَدٍ فَالْإِكْرَاهُ مِنْ مِثْلِهِ مَعْدُومٌ، وَالْمَأْمُورُ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْقَتْلِ دُونَ الْآمِرِ، وَالْآمِرُ أَضْعَفُ حَالًا مِنَ المُمْسِكِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَوَدٌ وَلَا دِيَةٌ وَلَا كَفَّارَةٌ، لكن يكون آثِمًا بِالرِّضَا وَالْمَشُورَةِ، وَعَلَى الْمَأْمُورِ الْقَوَدُ أَوِ الدِّيَةُ، وَيَخْتَصُّ بِالْتِزَامِهَا مَعَ الْكَفَّارَةِ. الماوردي الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي وهو شرح مختصر المزني دار الكتب العلمية 12/71ـ75.
([2]) والتحقيق عندي أن هذا قول الإمام الشافعي في القسم الثالث وهو إذا كان الآمر مساويا للمأمور ،فالإكراه هنا كعدمه والعقوبة علي المباشر للقتل ،وهو المكرَه.كما سبق
([3])وهذا أيضا مذهب الحنابلة ،جاء في العدة شرح العمدة" أما إذا أكره رجل رجلا على القتل فقتل فالقصاص على المكره والمكره جميعا،." عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد، أبو محمد بهاء الدين المقدسي، العدة شرح العمدة، دار الحديث، القاهرة،ص541.

([4])كشاف اصطلاحات الفنون 2/ 1281.
([5])كشف الأسرار على أصول البزدوي 4/ 384.
([6]) د. رمضان محمد هتيمي ، القول المبين في الإكراه وأثره في التصرفات عند الأصوليين،ص13.
([7]) الآية (93) من سورة النساء
([8]) تفسير القرطبي 6/ 3799.
([9]) العدة:540
([10])